سورة الملك - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الملك)


        


{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)}
ظاهره الأمر بأحد الأمرين: الإسرار والإجهار. ومعناه: ليستو عندكم إسراركم وإجهاركم في علم الله بهما، ثم أنه علله ب (بإنه عليم بذات الصدور) أي بضمائرها قبل أن تترجم الألسنة عنها، فكيف لا يعلم ما تكلم به. ثم أنكر أن لا يحيط علماً بالمضمر والمسر والمجهر {مَنْ خَلَقَ} الأشياء، وحاله أنه اللطيف الخبير، المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن. ويجوز أن يكون {مَنْ خَلَقَ} منصوباً بمعنى: ألا يعلم مخلوقه وهذه حاله.
وروي أنّ المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء، فيظهر الله رسوله عليها، فيقولون: أسروا قولكم لئلا يسمعه إله محمد، فنبه الله على جهلهم.
فإن قلت: قدرت في {أَلاَ يَعْلَمُ} مفعولاً على معنى: ألا يعلم ذلك المذكور مما أضمر في القلب وأظهر باللسان من خلق، فهلا جعلته مثل قولهم: هو يعطي ويمنع؛ وهلا كان المعنى: ألا يكون عالماً من هو خالق؛ لأنّ الخلق لا يصح إلا مع العلم؟ قلت: أبت ذلك الحال التي هي قوله: {وَهُوَ اللطيف الخبير} لأنك لو قلت: ألا يكون عالماً من هو خالق وهو اللطيف الخبير: لم يكن معنى صحيحاً؛ لأنّ ألا يعلم معتمد على الحال. والشيء لا يوقت بنفسه، فلا يقال: ألا يعلم وهو عالم، ولكن ألا يعلم كذا وهو عالم بكل شيء.


{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)}
المشي في مناكبها: مثل لفرط التذليل ومجاوزته الغاية؛ لأنّ المنكبين وملتقاهما من الغارب أرق شيء من البعير وأنباه عن أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه، فإذا جعلها في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يترك. وقيل: مناكبها جبالها. قال الزجاج: معناه سهل لكم السلوك في جبالها، فإذا أمكنكم السلوك في جبالها، فهو أبلغ التذليل. وقيل: جوانبها. والمعنى: وإليه نشوركم، فهو مسائلكم عن شكر ما أنعم به عليكم.


{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)}
{مَّن فِي السمآء} فيه وجهان: أحدهما من ملكوته في السماء؛ لأنها مسكن ملائكته وثم عرشه وكرسيه واللوح المحفوظ، ومنها تنزل قضاياه وكتبه وأوامره ونواهيه.
والثاني: أنهم كانوا يعتقدون التشبيه، وأنه في السماء، وأنّ الرحمة والعذاب ينزلان منه، وكانوا يدعونه من جهتها، فقيل لهم على حسب اعتقادهم: أأمنتم من تزعمون أنه في السماء، وهو متعال عن المكان أن يعذبكم بخسف أو بحاصب، كما تقول لبعض المشبهة: أما تخاف من فوق العرش أن يعاقبك بما تفعل، إذا رأيته يركب بعض المعاصي {فَسَتَعْلَمُونَ} قرئ: بالتاء والياء {كَيْفَ نَذِيرِ} أي إذا رأيتم المنذر به علمتم كيف إنذاري حين لا ينفعكم العلم {صافات} باسطات أجنحتهنّ في الجوّ عند طيرانها؛ لأنهن إذا بسطنها صففن قوادمها صفاً {وَيَقْبِضْنَ} ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن.
فإن قلت: لم قيل: ويقبضن، ولم يقل: وقابضات؟ قلت: لأن الأصل في الطيران هو صف الأجنحة؛ لأنّ الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مدّ الأطراف وبسطها. وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك، فجيء بما هو طار غير أصل بلفظ الفعل، على معنى أنهن صافات، ويكون منهن القبض تارة كما يكون من السابح {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمن} بقدرته وبما دبر لهن من القوادم والخوافي، وبني الأجسام على شكل وخصائص قد تأتى منها الجري في الجو {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْء بَصِيرٌ} يعلم كيف يخلق وكيف يدبر العجائب.

1 | 2 | 3 | 4